Republic of Lebanon
Friday 13th - 12 - 2024
picture

هل يُخَرّج الكونسرفتوار بِحلّته الجديدة جيلاً موسيقيّاً أكثر إبداعاً؟ 

Date: 2015-01-19
Origin: www.aljoumhouria.com/news/index/204004
Author: Hanadi Diab

هل يُخَرّج الكونسرفتوار بِحلّته الجديدة جيلاً موسيقيّاً أكثر إبداعاً؟ لم تَسْلَم السُلطات اللبنانيّة، يوماً، من شتم الشعب لها ولأداء مؤسّساتها غير المجدي في غالبية المسائل التي كانت ولا تزال تُشكّل أهمّية كبرى بالنسبة إلى المواطن اللبناني. فلطالما أبدى اللبنانيّون امتعاضهم من الفساد المستشري داخل المؤسسات الرسميّة، إداريةً كانت أم تربويّة - تعليميّة، ولطالما كان يأسهم من الدولة «الغائبة» والمتقاعسة عن تأدية دورها واضحاً وشفافاً. إلّا أنّ تغييراً طرأ في إحدى المؤسّسات الحكوميّة التربويّة، يبعثُ على الأمل، ولو قليلاً.

متى أرادَ المرء الإقدامَ على خطوة جديدة لم يسبق أن فعلها سابقاً، ساوَرهُ «الخوف» والتردّد في تنفيذها، ووقفَ حائراً بين فرصة نجاحها وخطر فشلها. غير أنّ رئيس المعهد الوطني العالي للموسيقى، الدكتور وليد مسلِّم، لم «يَخَفْ» أو يَتردّد عندما قرّر إدخال نهج أكاديمي جديد ليُدرَّس في صفوف الكونسرفتوار الوطني وغرفه. نهجٌ «سيخلق ثورةً على صعيد التعليم في المعهد الوطني»، حسب قوله.

فمنذ نحو عامين، تعاوَن المعهد الوطني العالي للموسيقى مع «الكونسرفتوار ريجيونال دو ليون» و»الأنستيتو فرانسيه» ليُتوَّج بتوقيع اتّفاق لتبادُل الخبرات والتعاون. يهدف الاتّفاق إلى تخلّي المعهد الوطني عن طريقة التعليم التقليدية والكلاسيكية القديمة التي كان يعتمدها والتي كانت تجعل من المواد المدرَّسة «صلبة» و»جافّة»، واستبدالها بمنهج آخر، مختلف وأكثر تطوّراً. فحمَلَ المنهج التعليمي الجديد عنوان «التنشئة الموسيقية».

وأوضح د. مسلِّم، في حديث خاص لـ»الجمهورية»، الاختلافَ بين المنهجَين التقليدي والحديث، قائلاً: «كان التلميذ يتلقّى معلومات معيّنة، يخزّنها في عقله ومن ثمّ يكتشف معناها ويُدركهُ لاحقاً. إنّما حاليّاً، ومع اعتماد التنشئة الموسيقية الجديدة، بات التلميذ في صدد اكتشاف المعلومة، كمرحلةٍ أولى، ثمّ الإصغاء إلى الموسيقى والإيقاعات وتطوير السمع، ليُحوّل بعدها الصورة الجامدة للمعلومة الموسيقية شعوراً يتلمّسه ويعيشه».

ويشير د. مسلِّم إلى أنّ هذه التنشئة تُتيح للتلميذ تلقّي معلومات أوسَع وأشمل، نظراً إلى أنّها تجمع، في الوقت نفسه، مواد عدة ومختلفة. فبدل قضاء سنة دراسية كاملة وهو يغنّي النوتة فحسب خلال حصص مادّة السولفيج، وهي مادة مرافقة لتعلّم العزف، يُصغي حاليّاً إلى مقطوعات موسيقية، يتعرّف إلى الآلات وتاريخها ويميِّز بينها.

يبتعد المنهج الجديد من النظريات والمعلومات التي يعتبرها التلميذ أمثولة وَجبَ عليه درسها وحفظها، فباتَ يرمي إلى وضعها في قالبٍ جديد يزرع الرغبة في روحه. فهذا الطابع البيداغوجي الجديد، يُقدّم «التنشئة الموسيقية» لمَن تُراوح أعمارهم بين السبع سنوات والتسع، ويحتاجون إلى تحفيز معنوي يَحضُّهم على التعلّم برغبة وبشغف. أما بالنسبة إلى مَن تعدّوا عمر التاسعة، فنُظِّمت مادة التنشئة بنحو يُراعي عمرهم.

لم يقتصر تعديل المنهج الأكاديمي في الكونسرفتوار على هذه المسألة فحسب، بل تعدّاها ليشمل تعديلات أخرى. فبعدما كانت رئاسة المعهد تواجه دائماً مشكلة الإقبال الكثيف على آلة البيانو في الدرجة الأولى والغيتار في الدرجة الثانية، ومن ثم الكمان، في وقت تكون الآلات الأخرى مُهمشة، قرّر رئيس المعهد اتّباع سياسة تُتيح له، على مدى السنوات المقبلة، تخريج عازفي آلات أخرى كالفلوت والناي والعود والقانون والآلات الغربيّة التي لا يختارها، عادةً، التلاميذ كاَلتي التوبا والأُبوا، أي الآلات الهوائية الصعبة.

فوضعت رئاسة الكونسرفتوار حلاً لهذه المشكلة يقضي بألّا يبدأ التلميذ، فورَ تسجيله في المعهد للمرّة الأولى، بتعلّم آلة موسيقية، بل بأن يكتشف الآلات ويتعرّف إلى تاريخها ليُدركَ بنفسه الآلة التي أحبّها.

هجوم كبير

يلفت د. مسلِّم إلى أنّ سبب «الهجوم» الكبير على آلات البيانو والغيتار والفيولون يعود إلى رغبة الوالدين الطاغية، وإلى قرارهما الذي يفرضانه على أبنائهما في غالبية الأحيان، في ما خصّ انتقاء الآلة، من دون أن يأخذا في الاعتبار رغبة أولادهما في الاختيار.

ويعود هذا الأمر إلى كونهما وضعا استثماراً ضخماً بشرائهما البيانو على سبيل المثال. جاءَ هذا الكلام على خلفية التجربة الشخصيّة التي عاشها د. مسلّم مع الأهل في المعهد، فأضاف: «إنّ طريقة تفكير الأهل هذه خاطئة تماماً، ولا بُدّ من تغييرها».

كذلك، لا تقتصر أهمّية التنشئة الموسيقية على تلاميذ المعهد، بل تتعدّاهُم إلى الأساتذة الذين أصبح يُمكنهم توجيه التلميذ إلى اختيار الآلة التي تناسبه أكثر من غيرها، والتي يجدُ نفسه منسجماً معها أكثر، ولن يجد الأستاذ صعوبة في تعليمه أو حتى في إيصال المعلومة إليه، لأنّ الأخير يكون قد اكتسَبَ معلومات واسعة خلال سنته الأولى كوَّنت لديه مخزوناً موسيقيّاً عاماً من جهة، وخاصّاً بآلته من جهة ثانية.

نهج تعليمي جديد

إلى ذلك، شهدت الصفوف حيث تُدرَّس مادّة السولفيج جَوّاً من التوازن، مقارنةً بالحال التي كانت عليها سابقاً. فلم نعد نجد تلميذاً يبلغ التاسعة موجوداً في الصف نفسه مع مَن يبلغ الخامسة عشرة، نظراً إلى أنّ التفاوت في الأعمار ليسَ «صحّياً»، فقُسّم مضمون المادة وفقاً للأعمار ولقدرة استيعاب كل فئة عمريّة.

هذا النهج التعليمي الجديد الذي أُدخل السنة الفائتة إلى فرع الكونسرفتوار في منطقة سن الفيل، عُمِّم هذا العام على المعهد الوطني بفروعه الـ14. وتهدف رئاسة المعهد إلى الوصول إلى وقت تأخذ هذه التنشئة مكانَ النظام القديم برُمّته. وهي حاليّاً في صدد وَضع خطّة تُمكّنها من استيعاب جميع التلاميذ لمادّة «التنشئة الموسيقية».

لم يقف أمر التعديلات الأكاديمية عند هذه الحدود، بل شَملَ مواضيع أخرى. وشدّد د. مسَلم على مسألة الـ»Ensemble» أي العزف الموسيقي الجماعي الذي يُترجَم بعزف مقطوعات موسيقية أمام مجموعة من الناس ضمن حفل، يؤدّيها عدد من التلاميذ الذين يُجيدون العزف على الآلة نفسها أو حتّى على آلات مختلفة.

فيقول رئيس المعهد في هذا السياق: «أبقَينا على الأسلوب القديم لتعليم العزف والذي يقضي بتعليم التلميذ الآلة بنحو منفرد وضمن صف خاصّ به، لكنّنا أضفنا شيئاً جديداً هو منهج العزف الجماعيّ الذي يُرَغّبُ التلاميذ أكثر ويعزّز روح المجموعة لديهم».

إجتماع الآلات الهوائية أو الآلات الوترية أو حتى التخت الشرقي الذي يضمّ القانون والناي والعود وآلات الإيقاعات الشرقية إضافةً إلى الفيولون والفيولونسيل والكونترباس، هو مثال حَيّ عن هذه الفكرة.

وقد تحدّث د. مسَلم عَن أهمّية هذا الأسلوب الجديد ونجاحه، قائلاً: «افتتحنا منذ فترةٍ وجيزة فرعاً للمعهد في البترون، حيث تلاميذنا هم الذين أحيَوا حفل الافتتاح في إطار عزفهم الجماعي». وأكّد الرئيس أنّهم يعمدون إلى التشديد على موضوع الـ»أوديسيون». وهو عرض يقدّمه التلميذ بنحو منفرد، ليس فقط أمام اللجنة المقَيّمة لأدائه، لكن في حضور أهله ورفاقه وأقاربه وكلّ مَن أراد الإصغاء إلى عزفه ومشاهدة عرض كهذا.

إنّه تقييم لعزف التلميذ وأدائه الموسيقي، وهو بديل من الامتحان النصفي الذي كان يخضع له في شهر شباط من كلّ سنة والذي أُلغيَ تبعاً للنظام الجديد. يستهدفُ العرض التقليص من شعورَي الخوف والرهبة اللذين يفرضهما عليه المسرح أو مجرد الوقوف أمام مجموعة من الحضور.

إنَّ ولادة أيّ اختلاف في أيّ نظام، كانَ يستدعي، تلقائيّاً، اهتمامَ القيّمين عليه لمعرفة رجع الصدى من المعنيّين بالنظام الجديد. فيصف د. مسَلم الأثر الذي أوجدته «التنشئة» بالأثر الإيجابي بامتياز. فقد أبدى كثير من الأساتذة دهشتهم الإيجابية تجاه سلوك التلاميذ وردّ فعلهم إزاء المنهج وتفاعلهم معه. أكّد د. مسَلم عدم خوفه تقديم مواد جديدة في المعهد إنما أعرب عن جرأته للسعي دائماً للتغيير والتطوير وأخذ مساحة من المغامرة شرط أن تكون مدروسة وأن تَصُبّ في مصلحة التلاميذ.

لا شك في أن المبادرة التي اتخذتها رئاسة المعهد الوطني العالي للموسيقى تصبّ في مصلحة التلاميذ وتدفعهم إلى العمل الدؤوب، إلّا أنّ مبادرة كهذه دفعتنا إلى طرح بعض التساؤلات: هل سيخلق منهج التعليم الجديد خريجين وعازفين مستقبليين ذوي مستوى موسيقي أعلى ليمارسوا دوراً، ولو صغيراً، في القيام بنقلة نوعية يحتاجها عالَم الموسيقى في لبنان وتَنْتَشله من «غيبوبته» التي نرجو أن تكون مُوَقتة، أم أنَ توصيف المعهد الوطني لا يتعدى الصرح الأكاديمي المحصور بوظيفته التعليمية فحسب؟

هل ستكون هذه المبادرة بمثابة بادرة أمل تُقَلّص، على المدى الطويل، من وطأة الانحطاط الذي اكتسح عالم الموسيقى اللبنانية وتغلغل فيه؟ ربما وحده الانتظار لبضع سنوات يصلح أن يكون مرسال الجواب عن هذه التساؤلات.

This website is the governmental property of the Lebanese Republic and is affiliated to the ministry of Culture.

The website only saves the information used to subscribe to the newsletter and does not share it with any other institution or server of company of any kind.

The website does not activate or manage software for statistic purposes and does not keep track or produce logs of any kind that concern the guest activities and browsing. The hosting company of the website provides this log automatically for all its clients.

The information diffused on the newsletter can’t be guaranteed to happen on the announced dates, problems might happen and prevent the event without prior notice.